• جيل جيلالة عبر الصحافة

    فسحة
     
     جيل جيلالة على لسان مولاي الطاهر

    الصحافة السورية : «ستة شبان مغاربة أدهشونا»

    العربي رياض

    جيل جيلالة عبر الصحافةيعد مولاي الطاهر الأصبهاني من بين الأعمدة الأساسية لمجموعة جيل جيلالة، بل من أعمدة المجموعات الغنائية ككل، صوته أطرب الكثيرين، منهم مسؤولون في الدولة، بل أكثر من هذا كان قد أثنى عليه العندليب الأسمر في أواخر السبعينات، عندما كان في زيارة للمغرب ودعاه أحد المسؤولين إلى حفل ستحييه فرقة جيل جيلالة، أدت خلالها أغنية «ليغارة»، ولأن الأغنية استهوته كثيرا صعد العنديب الأسمر إلى الخشبة، وأخذ البندير في يده وبدأ يغني مع المجموعة، وبعد انتهائها سيمسك العندليب بيد مولاي (كما يناديه المقربون منه) ويعلن في الحضور بأن صوته من أجمل ما سمع في حياته.
    شكل صوت مولاي الطاهر الأصبهاني رنة خاصة في أذان الأجيال، حتى أن الشباب الذي يقلد المجموعة غالبا ما يقلدون صوته، الذي أسكن في أذهان المتلقين- بمعية أصوات الدرهم والطاهري وعبد الكريم وسكينة والسعدي- فن الملحون وجعله فنا مشاعا لدى الشباب الذي كان يستثقل الطريقة التي يؤدى بها من طرف شيوخه.
    في هذه السلسلة سنسافر مع الأصبهاني وسط قلعة جيل جيلالة لنطلع على أسرارها ومسارها.

    مباشرة بعد عودة جيل جيلالة في ماي 1975 من رحلة الصحراء، سيكون عليها حزم حقائبها للاتجاه نحو الشرق العربي، في أول تجربة لمجموعة غنائية مغربية ستقف بفن تراثي أمام جمهور الشرق، كان المرحوم حميد بنشريف وحميد الزوغي قد قاما بكل الإجراءات التي تتطلبها هذه الرحلة، والتي مولها أحد محبي المجموعة، وهو المرحوم حسن برادة. أول محطة كانت للمجموعة هي دولة الكويت، ستليها العراق، ثم سوريا والأردن قبل الوصول إلى ليبيا، بالإضافة إلى أعضاء المجموعة محمد الدرهم والطاهري ومولاي الطاهر وعبد الكريم وسكينة ومحمد مجد ،الذي يقوم بالمحافظة العامة، وعبد الهادي الركراكي ممثل حسن برادة، كان هناك الصحفي بنعيسى الفاسي وهو كاتب أغنية «القدس» ، ورافق أيضا المجموعة الفنان أحمد السنوسي (بزيز) بالإضافة ، طبعا ، إلى بنشريف والزوغي.
    يروي مولاي الطاهر بأنه لم يسافر في اليوم الأول مع الفرقة، لأن جواز سفره لم يكن معدا، ليكون عليه ركوب الطائرة في اليوم الموالي، و الإتجاه نحو لندن والمكوث هناك ليوم ويلتحق فيما بعد بالعراق مباشرة في الوقت الذي كانت فيه المجموعة في الكويت تسجل الأغاني للتلفزة هناك وتعرض الفيلم الذي أنجزه حميد بنشريف عن مجموعة جيل جيلالة.
    يقول مولاي الطاهر: اتجهت إلى بغداد وأنا لا أعلم أين سأذهب، وأين سأقيم، وكم ستدوم إقامة الإخوان في الكويت حتى يلتحقوا بي. في المطار جلست أفكر أين المقصد؟ فجاءتني فكرة الإتصال بالفنان منير بشير الذي كانت لنا به علاقة قبلية لكنها غير وطيدة، كان آنذاك يشغل منصب مدير الفنون بوزارة الإعلام العراقية، قصدت الإرشادات في المطار وطلبت أن يتصلوا به، سألوا عن إسمي ووظيفتي وسبب زيارتي للعراق، بعد برهة سيتصل منير بشير ويطلب مكالمتي عبر الإرشادات، اندهشت للأمر لأنني فعلا لم أكن أتوقع ذلك، كانت عبارات الحفاوة تصل إلى أذني كالنسيم من فم هذا الرجل، الذي أعلمني أيضا بأن جيل جيلالة ستلتحق بعد ثلاثة أيام، وبأنني سأكون ضيفه خلال هذه المدة، قبل أن يخبرني بأن سيارة ستصل إلى المطار ستكون رهن إشارتي طيلة المدة التي سأقيم فيها ببغداد وسيكون مسكني جناحا في أحد الفنادق الفخمة ببغداد.
    سيمكث مولاي الطاهر وحده في بغداد بعد أن اتخذ من السائق الذي وضع رهن إشارته صديقا وسيظل على اتصال هاتفي مسترسل مع منير بشير الذي كان يسأل عنه صباح مساء.
    يقول مولاي الطاهر، تعلم أننا أناس بسطاء ولا علاقة لنا ب «التفخام» ، فأنا لن أستسيغ أن يكون لي سائق، لذلك اتخذته صديقا، فأصبح يحكي لي عن عائلته وظروفه الإجتماعية والعملية، وعن العراق وحضارتها وعن الغناء الشعبي العراقي ، وما إلى ذلك، فقررنا وضع برنامج لزيارة المعالم التي تزخر بها بغداد. كان من بين الأماكن التي وددت التعرف عليها وزيارتها، هو مقام سيدي عبد القادر الجيلالي، التي تقول الحكايات الشعبية بأنه وال من أولياء الله الصالحين المغاربة ، وكان الاعتقاد بأنه مغربي لأنه يحمل اسم الجيلالي، لما زرت مقامه علمت أنه قطب نوراني من أقطاب الصوفية، وأخبرت أن اسمه الحقيقي هو الكيلاني وليس الجيلالي، وبأنه ينحدر من باكستان وليس من المغرب.
    زرت أيضا مسجد الكاظم، وباقي المعالم الأخرى. وظل مقامي بالعراق يعتمد التنقل بين هذه المآثر، إلى أن اتصل بي منير بشير ليعلمني بأن جيل جيلالة ستصل بعد ساعات إلى المطار ، وأنه علي استقبالها هناك، بعد أن وضع رهن إشارتي حافلة كبيرة.
    من العراق ستسافر الفرقة إلى سوريا، هنا، يقول مولاي الطاهر، سنعيش تجربة أخرى، لم نشهدها في الدول الأخرى، وهي الحفاوة الإعلامية، معظم الصحف السورية كانت تثني علينا وكان الجمهور يتجاوب معنا ويرحب بنا في كل شبر وضعنا فيه أقدامنا، حتى أن إحدى الصحف كتبت بعنوان كبير في صفحتها الاولى : ستة شبان مغاربة أدهشونا » ، ويعنون بالفرد السادس حميد الزوغي، الذي كان يصعد معنا الخشبة أحيانا.
    اندهاش الجمهور لم نستغرب له، ففي الشرق اعتادوا على جوق يعزف ومايسترو ومطرب وكورال، لأول مرة سوف يرون مجموعة بهذا الشكل تعزف وتغني، ويعلم الجميع ان الجمهور السوري والعراقي «ذواقة»، لذا كانوا ينصتون لنا بإمعان وبعد الانتهاء يأتي التصفيق. أعجبتهم إيقاعاتنا، كما استهوتهم روحانيات أغانينا ونحن نعلم تأثير الصوفية في نفوس المشارقة.
    في سوريا ايضا ولدى استضافتنا من طرف السفير المغربي سنلتقي لأول مرة مباشرة الفنانة منى واصف، التي ستردد معنا أغنية «الله يا مولانا».

     

    8/7/2009

    ******************************************************


    لم تكن مجموعة جيل جيلالة تعتقد أن أغنية «العيون عينيا» التي عبأت الشعب المغربي قاطبة للمشاركة في المسيرة الخضراء ووحدته من أجل قضيته الوطنية، وتغنى بها الكبير والصغير وحتى الأمراء، ستقلب مسار المجموعة وتضعها في محك صعب. فبقدر النجاح الذي حققته هذه الأغنية بقدر المعاناة التي ستعيشها المجموعة في مسارها الفني، حيث اتصفت «بفعل» الإشاعة، أنها مجموعة مخزنية وهو ما جعل معظم منظمي الحفلات والسهرات بأوربا يبعدونها عن المشاركة في الخارج، الذي كان سوقاً مفتوحاً أمامهم في السابق.
    يقول مولاي الطاهر: «كان لزاماً علينا كمواطنين أولا وكفنانين ثانياً أن نعلن موقفنا من قضية صحرائنا وبكل إيمان وقناعة بقضيتنا، أنجزنا هذه الأغنية، وكان علينا أيضاً أن نعبىء المغاربة لقضيتهم الأولى في البلاد، ولم نكن نعلم أنها ستجر علينا وابل الإشاعات التي واجهناها بفننا وبحبنا لوطننا، واستمرت المجموعة في أدائها المعتاد رغم كل تلك العراقيل..».
    «العيون عينيا» من الأغاني التي أزعجت البوليساريو، كما أزعجت الجارة الجزائر التي كانت قبل ذلك تستقبل مجموعة جيل جيلالة بالورود، خصوصاً وأن المجموعة خلقت جمهورها الثاني هناك، وقد اعتبرت الأجهزة الاستخباراتية الجزائرية بأن هذه الأغنية هي بمثابة صفعة، لأن الجمهور في الجزائر سيتغنى بها، كما تغنى بها المغاربة وستدحض المجهود الذي بذل في إقناع الشعب الجزائري بعدم مغربية الصحراء...
    في تلك الفترة، كانت إذاعة البوليساريو تذيع بعض أغاني جيل جيلالة و الغيوان وتقدمها لمستمعيها، على أنها أغاني مناهضة تستنكر «الظلم» الذي يعرفه المغرب، لكن أغنية «العيون عينيا»، التي أنجزتها المجموعة في ثمان ساعات فقط، بعدما كانت تتوفر فقط على اللازمة التي تقول «العيون عينيا والساقية الحمراء لي»، وسجلت في الاذاعة في التاسعة صباحاً لتذاع مساء اليوم وغناها الأمير مولاي رشيد الذي كان لايزال طفلا أمام كاميرا التلفزة المغربية، ستكذب ادعاءات راديو البوليساريو، فكان رد فعل أجهزتها والأجهزة الجزائرية قوياً، بحيث سيتم إقصاؤها من المشاركة الفنية في الخارج، خصوصاً وأن معظم منظمي الحفلات هناك ينتمون الى جمعيات تحررية تضم أعضاء من البوليساريو، أو أن المنظمين ينتمون إلى الجزائر.
    من هنا سيكون اتجاه الفرقة نحو الشرق العربي بعد أن أنجزت فيلماً حول مسارها وأعدت عددا من الأغاني القومية ستحط بها الرحال في كل من الكويت والسعودية والأردن والعراق وليبيا وسوريا. وستعود من هناك منقسمة إلى قسمين: قسم «النخبة»، كما يسميها مولاي الطاهر، والتي تضم محمود السعدي والدرهم والزوغي وقسم «عباد الله» والذي يضم مولاي الطاهر وسكينة وعبد الكريم وعبد العزيز الطاهري، لتبدأ مرحلة أخرى من حياة المجموعة ستنتج خلالها أعمالا روعة في الإبداع.
     

    1/7/2009



    فسحة
     
     جيل جيلالة على لسان مولاي الطاهر

    أغنية »النحلة« في حضرة الملك والحكومة

    كان المرحوم الحسن الثاني يدعونا في كل سنة إلى القصر، خصوصا بمناسبة «شعبانة». في سنة 1982 دعانا ، كالعادة، وقد كان طلبه هو أداء أغاني الملحون التي سجلناها في تلك الفترة، وقد أُعجب كثيرا بأغنية «الشمعة» حيث طلب من عبد السلام خشان ، رئيس الجوق السمفوني، أن يعزفها ويتمرن عليها مع فرقة جيل جيلالة، في أفق تنظيم جولة في الولايات المتحدة وأدائها هناك... لكن هذه الجولة ، يقول مولاي الطاهر الاصبهاني، لم يكتب لها أن تتم.. 
    في ذلك اليوم ، يضيف مولاي الطاهر، سألنا جلالة الملك رحمه الله، إن كنا نعرف الكثير عن فن الملحون، فقد كان جلالته على إلمام كبير به، وقد أوضحنا له بأن المجموعة ليست من حفظة الملحون، بل هي فقط دخلت هذه التجربة لتحبيب هذا اللون الفني للشباب.
    بعد برهة ـ يسترسل مولاي الطاهر ـ عاد الملك وطلب منا أن نبحث عن قصيدة اسمها «النحلة» وأن نهيئها على أساس أن نؤديها في حضرته في الفرصة الموالية..
    خرجت الفرقة من القصر وهي لا تعلم أين ستجد هذه الاغنية ، خصوصا وأنها سمعت بها لأول مرة ومن طرف الملك. كان الباب الاول الذي طرقته المجموعة هو الاذاعة الوطنية، حيث أبلغتها إدارتها بأن القصيدة فعلا موجودة لكنها ممنوعة من البت ، كما هو ممنوع منحها إلى أي أحد... توزع أعضاء الفرقة على مختلف المدن العتيقة واتصلوا بعدة منشدين بحثا عن «النحلة»، التي ينبغي العثور عليها في أقرب وقت ممكن، لأن الملك قد يستدعيهم في أية لحظة، وفي الأخير تمكن عبد العزيز الطاهري من وضع يده عليها بعد أن التقى بأحد المنشدين من مدينة فاس.
    كانت القصيدة طويلة ـ يروي مولاي الطاهر ـ ولا نعرف ماهي الجمل التي يرغب الملك في سماعها . في الأخير اهتدينا إلى فكرة، فالملك ليس له الوقت قد يُنصت إلى قصيدة تدوم مدتها أزيد من ساعة، فأخذنا نحذف الأبيات، خصوصا بعدما وجدنا أن الجملة المهمة في القصيدة هي تلك التي تقول :
    «السلطان طبيب،
    والرعية مضرورة،
    ولا وزير يبلغ ليه لخبار».
    تمكنا من وضع توقيت لا يفوق 5 دقائق للقصيدة وقسمنا الاغنية إلى قسمين.. تخوفنا ـ يقول مولاي الطاهر ـ من أن يدركنا موعد الملك، كان في محله ، فبعد ثلاثة أشهر من الموعد الاول دعانا الملك من جديد إلى القصر، لما دخلنا إلى المكان المخصص للحفل فوجئنا بتواجد الحكومة برمتها والتي كان يرأسها المرحوم المعطي بوعبيد، لم أكن أعرف إذاك - يقول مولاي الطاهر - كل أفراد الحكومة، فقط أثار انتباهي تواجد الاستاذ امحمد بوستة الذي كان وزيرا للخارجية ولي قرابة عائلية معه..
    دخل الملك ، وقف الجميع ، وأول ما قام به هو السؤال عن جيل جيلالة: «واش جاوا جيلالة؟». تقدمنا فسألنا «وجدتوا النحلة؟»، أجبناه بالإيجاب. فطلب منا أداءها، وتوجه إلى المرحوم التهامي الهاروشي، الذي يعد أحد أعمدة إنشاد الملحون في المغرب وأحد مؤنسي الملك ، وطلب منه أن يغني معنا. ولأن الهاروشي كان ينشد الملحون بالطريقة التقليدية، لم يكن يعلم أننا بترنا عدة مقاطع فكان يستنكر هذا الأمر فوق الخشبة كلما حذفا بيتا من الأبيات بقوله: «آها أها». هذا الأمر أضحك الملك كثيرا لكنه لم يعقب على الموضوع.
    لازمة هذه القصيدة تقول:
    «صولي يا شامة الضريفة،
    وزهاي ياولفي على الرضا،
    قطفي من الازهار،
    ياترياق علاج كل ضر،
    يا بنت المُلك ليك همة وتجارة...».
    لما بلغنا إلى المقطع الذي يقولك
    «السلطان طبيب،
    والرعية مضرورة،
    ولا وزير يبلغ ليه لخبار... » وقف الملك وتوجه إلى أعضاء الحكومة، وقال لهم :«سمعتو آش كالو»! وأعاد البيت أكثر من مرة ، وكان يشدد على «لاوزير يبلغ ليه لخبار».
    فهمنا إذاك أن المقصود من الاغنية هو هذا البيت، وأن الملك كان يحفظ القصيدة عن ظهر قلب ويعرف أبياتها، لكنه فقط أراد أن ننشدها نحن وأمام أعضاءالحكومة، كما أن التهامي الهاروشي كان يحفظها هو الآخر ولم تكن هذه القصيدة «غابرة» كما يعتقد الناس.
     

    3/7/2009



    بعد ظهور مجموعة ناس الغيوان ستة أشهر تقريبا ستظهر مجموعة جيل جيلالة وفي جعبتها ثلاث أغانٍ رائعة وهي «الكلام لمرصع» و«العار آبويا» و«جيلالة»، لم تكن فكرة تأسيس فرقة غنائية لدى المجموعة واردة، فكل فرد منها كان له عالمه الخاص وحياته المهنية الخاصة، فمولاي الطاهر الاصهاني يعتبر نفسه رجل مسرح، لذلك التحق بفرقة الطيب الصديقي بعد ماكان موظفا في وزارة الفلاحة بمراكش. والدرهم كان غارقا في المسرح البلدي لمدينة الجديدة والذي كان يديره محمد عفيفي، وعبد الرحمان باكو الذي التحق بالمجموعة، كان يعيش عوالم كناوة بالصويرة، أما محمود السعدي فكان مولعا بأغاني الشرق ولم يكن له في الفن التراثي المغربي أي موقع على العود الذي كان يعزف عليه، وكذلك الحال بالنسبة لسكينة التي كانت مولعة بألوان غنائية أخرى...
    يحكي مولاي الطاهر، بأنه كان يعد مع حميد الزوغي إحدى المسرحيات التي أنجزها هذا الاخير مقتبسة عن قصة مصرية اسمها «ليالي الحصاد» ولحن مولاي الطاهر بعض أغاني هذه المسرحية التي كتبها الزوغي ومن ضمنها «آلعار آبويا»، وكان قبل ذلك قد لحن بعض المقاطع الغنائية في رائعة «مقامات بديع الزمان الهمداني» للطيب الصديقي، فاقترح عليه الزوغي تكوين فرقة غنائية تعنى بالتراث الشعبي ودعاه للالتقاء في الوهلة الاولى مع سكينة ومحمود السعدي، بعد أن انفض اللقاء، ابلغ مولاي الطاهر حميد الزوغي بأنه سيكون من الصعب إنشاء مجموعة كما يريدها، خصوصا وان السعدي له ميولات مشرقية بعيدة عن الفكرة التي يريدها الزوغي، فاقترح عليه الاتصال بمحمد الدرهم، الذي كانت له معرفه به بمدينة مراكش من خلال لقاءات مسرحية جمعتهما مع جمعيات الهواة ، فتم الاتصال بالدرهم، الذي قدم بدوره الى الدار البيضاء وانخرط في إتمام الاغاني التي لم تكن مكتملة كأغنية «الكلام لمرصع» لصاحبها شهرمان، حيث اضاف إليها الدرهم مقاطع جديدة. كذلك الحال بالنسبة لأغنية «العار ابويا». بعد أن بدأ العمل يكتمل فكرت المجموعة بأنها في حاجة الى «بازيست»، كان التفكير في الوهلة الاولى في مصطفى باقبو الذي سيرافق جيل جيلالة لأعوام فيما بعد، لكن الطيب الصديقي نصح حميد الزوغي بعبد الرحمان باكو القاطن أنذاك بمدينة الصويرة، فتم الاتصال بالأخير وهو من أدخل تعديلات على أغنية «جيلالة». لتتفرغ المجموعة للتداريب في بيت حميد الزوغي، الذي كان قد تكلف بإدارة الفرقة، ويعتبر مولاي الطاهر ان من أجمل ماقام به الزوغي هو نوع الدعاية التي قام بها للمجموعة والتي أعطتها إشعاعا حتى قبل ظهورها على خشبة المسرح.
    في 7 أكتوبر1972 ، يقول مولاي الطاهر، سيكون لنا أول لقاء مباشر مع الجمهور، كانت إدارة اليناصيب الوطني قد دعتنا الى إحياء حفل القرعة بمسرح محمد الخامس بالرباط بمعية مجموعة من الفنانين الكبار منهم عبد الهادي بلخياط. كانت الدعاية التي قام بها حميد الزوغي عبر أمواج التلفزة قد أعطت أكلها ، و امتلأ المسرح عن آخره ، والكل كان ينتظر عرض هذه الفرقة الجديدة... كنا قد صورنا هذه الاغاني للتلفزة المغربية كما سجلناها للاذاعة، لأول مرة سنقف امام ازيد من 2000 متفرج... أدينا الاغاني التي لدينا ورددها معنا الجمهور بحب كبير ، وكان ذلك اللقاء هو الفاتحة الاولى معه...
    قبل أن ينتهي حفل اليناصيب الوطني، وبينما نحن في الكواليس نتلقى تهاني الفنانين والاصدقاء، سيدخل علينا احمد البيضاوي ويبلغنا بأن لا نغادر الرباط وبأن نمكث في أحد الفنادق، ولما سألناه عن السبب، اجابنا بأن جلالة الملك يريد ان يرانا في اليوم الموالي. لم يشرح لنا أي شيء، قال «جملته» تلك ثم رحل عنا . تملكنا الخوف والرهبة، فنحن لم نكن ننتظر مثل هذه «الدعوة»، فأخذنا نخمن فيما بيننا عن السبب الذي يجعل ملكا يطلب مقابلة فنانين شباب ليست لهم شهرة ولا أي شيء، فذهب تفكيرنا الى أن الملك ، والكل يذكر تلك السنوات السوداء، لم ترقه الاغاني التي أديناها، أو أن أحدا ابلغه بمعلومات غير مرضية عنا.
    في اليوم الموالي قصدنا القصر الملكي، وكلنا أمل بأن يخفف الله ما نزل، دخلنا الى المكان المخصص لنا رفقة فنانين آخرين، كان الجميع يتكلم بهمس وهو ما زاد من رعبنا، بعد برهة دخل الملك وكان برفقته الامير مولاي عبد الله وباحنيني، توجه الملك الى أحدهم بالسؤال : هل جاءت «جيل جيلالة»؟ فرد عليه بأنهم هنا ، ثم انزوى مع مرافقيه وراء ستار من زجاج ...
    شدة الخوف ازدادت من جديد، وستزداد أكثر عندما سنشاهد الملك مع باحنيني ومولاي عبد الله يتحدثون ولا نرى نحن الا الاشارات ، وهي إشارات زادتنا خوفا... ليخرج من وراء الزجاج ويطلب أن تأتي عنده جيل جيلالة، تقدمنا عنده وسلمنا عليه، فأبدى إعجابه بلباسنا الموحد، الذي كان مزركشا بـ «السقلي» وكلما كان يبدي ملاحظة حولنا كنا نقول في أنفسنا إن العقاب آت لا محالة، الى أن توجه لنا بالقول: «مالين الدار شافوكم البارح وعجبتوهم. وحتى أنا بغيت نشوف العمل ديالكم». هذه الجملة نزلت علينا كالنسيم... بالفعل كان في الخلف أفراد من نساء العائلة الملكية.. الغريب الذي لم نكن نتوقعه هو ان الملك سيجلس أرضا وسيطلب منا ان نغني، وهوما قمنا به. وكانت هذه هي بداية العلاقة مع القصر الملكي، الذي سنصبح من زواره في كل سنة.

     

    7/4/2009


     

    جريدة الإتحاد الإشتراكي

    فسحة

     
     جيل جيلالة على لسان مولاي الطاهر

    الشريف الأمراني والشادلي ينضمان لجيل جيلالة

    العربي رياض

    جيل جيلالة عبر الصحافة

    يعد مولاي الطاهر الأصبهاني من بين الأعمدة الأساسية لمجموعة جيل جيلالة، بل من أعمدة المجموعات الغنائية ككل، صوته أطرب الكثيرين، منهم مسؤولون في الدولة، بل أكثر من هذا كان قد أثنى عليه العندليب الأسمر في أواخر السبعينات، عندما كان في زيارة للمغرب ودعاه أحد المسؤولين إلى حفل ستحييه فرقة جيل جيلالة، أدت خلالها أغنية «ليغارة»، ولأن الأغنية استهوته كثيرا صعد العنديب الأسمر إلى الخشبة، وأخذ البندير في يده وبدأ يغني معالمجموعة، وبعد انتهائها سيمسك العندليب بيد مولاي (كما يناديه المقربون منه) ويعلن في الحضور بأن صوته من أجمل ما سمع في حياته.

    شكل صوت مولاي الطاهر الأصبهاني رنة خاصة في أذان الأجيال، حتى أن الشباب الذي يقلد المجموعة غالبا ما يقلدون صوته، الذي أسكن في أذهان المتلقين- بمعية أصوات الدرهم والطاهري وعبد الكريم وسكينة والسعدي- فن الملحون وجعله فنا مشاعا لدى الشباب الذي كان يستثقل الطريقة التي يؤدى بها من طرف شيوخه.
    في هذه السلسلة سنسافر مع الأصبهاني وسط قلعة جيل جيلالة لنطلع على أسرارها ومسارها.
    كانت فرقة جيل جيلالة، هي المجموعة الوحيدة التي تبدو أكثر تنظيما وأكثر انضباطا، لكن في الحقيقة ، وعلى غرار باقي المجموعات الغنائية، كانت تعيش شروخا بين الفينة والأخرى، ولكن أعضاءها لم يكونوا يصرحون بذلك، كما أن علاقتهم مع الإعلام كانت محدودة جدا رغم صداقاتهم مع عشرات الصحفيين.
    مولاي الطاهر من جهته، يعتبر أن ما يحصل بين أفراد الفرقة هو شأن داخلي ولا داعي ليطلع عليه المحبون، مادامت العلاقة بينهم وبين هؤلاء تتجسد في الابداع وإنتاج الأغاني التي تطرب.
    خلال الجولة التي قامت بها المجموعة الى المشرق العربي، ستنقسم الفرقة الى قسمين بسبب خلاف مادي محض، الفريق الأول يضم محمد الدرهم وحميد الزوغي و محمود السعدي ، فيما يتشكل الفريق الثاني من مولاي الطاهر وعبد العزيز الطاهري وسكينة وعبد الكريم ومحمد مجد. وهو الفريق الذي كان عليه الاعتماد على نفسه لكي ينجز أغاني جديدة ويواكب السهرات الفنية المقامة هنا وهناك. في هذه المرحلة ، ولأن المجموعة لم يعد لها عازف، سيتم الالتجاء الى الشريف الأمراني عازف فرقة المشاهب، كما سينضم في بعض السهرات الفنان الشادلي من فرقة المشاهب ايضا ، وفي هذا الاطار أذكر شهادة الشريف خلال مذكراته التي نشرناها بجريدة «الاتحاد الاشتراكي» ، والتي أكد فيها بأن عبد الكريم ومولاي الطاهر حباهما الله بصوتين يعدان من أروع الأصوات التي عرفها، وبأن العمل مع جيل جيلالة ممتع لأن أعضاءها بسطاء ولا تجد معهم أية مشكلة، خصوصا في ما يتعلق بالجانب الفني، وأبدى الشريف الأمراني ، في مذكراته تلك ، التي سبقت وفاته بأيام، إعجابه الكبير بجيل جيلالة.
    ومن بين السهرات التي شارك فيها الشريف الأمراني والشادلي مع مجموعة جيل جيلالة، تلك التي أقيمت في مكناس رفقة عزيزة جلالة في سنة 1976 ، بمناسبة صعود فريق النادي المكناسي لكرة القدم الى القسم الوطني الاول.
    خلال الانشقاق الأول، يقول مولاي الطاهر ، لم يكن للفرقة فلس واحد، فقد عادت من الشرق العربي بجيوب فارغة رغم النجاح الذي حققته هناك، لهذا الغرض كان على أفرادها العمل من جديد لكسب القوت أولا وضمان استمرار الفرقة داخل الساحة الفنية ثانيا. في هذا السياق المظلم، يقول مولاي الطاهر، لحسن الأقدار وجدنا صديقا يحبنا وهو مصطفى الناصري، الذي منحنا أحد الكبانوهات بمنطقة زناتة وظل يُطعمنا ويرعانا لمدة شهر ونصف ، وهي المدة التي كنا نُعد فيها ألبوما جديدا سيضم أغاني جلاتني رياحك ، الناس ف الهوى نشدات ، ناديتك في الغنة ، الدورة ، ثم مزين وصولك ، صيف 1975 أمضيناه في إعداد هذا العمل. و كانت الأغنية الأخيرة من أنجح الأغاني :                                    
    «مزين وصولك يا البدر السامي لولا جفاك 
    كلام حسودك والرقيب للي داير بيك 
    ماحد نجومك ضاوية وهلالك بين لفلاك
    فدي ميسورك زورو ويزورك 
    عليه رُف ورحمو يهديك 
    سرح مسجونك 
    سرح مسجونك وانعم له بالفكاك 
    من قبل غيومك 
    ينطفى ضوك ويخليك». 
    هذه الاعمال كانت من أبرز ما أبدعته جيل جيلالة خلال مسارها الفني، رغم الظروف الصعبة التي
    كانت ترخي بظلالها السوداء على المجموعة. هذه الأغاني كانت من تأليف عبد العزيز الطاهري،
    أما قصيدة «الدورة » فهي لمحمد شهرمان، وشارك في إعدادها الفني مولايالطاهر، الذي يعتبر 
    أن هذه الاغاني زادت من إشعاع المجموعة رغم انها انجزت في وقت كانت فيه منقسمة. 
    يقول مطلع «الدورة»: 
    «دارت بنا الدورة 
    والنفس للي تسال مقهورة 
    الدمعة الهاطلة مغيورة 
    قل لو راح الليل آه ياوين...» 
    بينما كانت المجموعة تتدرب على هذه الاغاني بزناتة لكي تذهب الى تسجيلها، سيطرق الدرهم
    باب المجموعة ، راغبا في العودة من جديد. وبالفعل عاد الى موقعه ومُنح له دوره في هذه 
     الاغاني التي ظلت خالدة الى الآن... 

     

    9/7/2009

     

      فسحة
     
     جيل جيلالة على لسان مولاي الطاهر : «بنجلون أول سفير يقيم لنا استقبالا يليق بالفنانين»

    العربي رياض

    يعد مولاي الطاهر الأصبهاني من بين الأعمدة الأساسية لمجموعة جيل جيلالة، بل من أعمدة المجموعات الغنائية ككل، صوته أطرب الكثيرين، منهم مسؤولون في الدولة، بل أكثر من هذا كان قد أثنى عليه العندليب الأسمر في أواخر السبعينات، عندما كان في زيارة للمغرب ودعاه أحد المسؤولين إلى حفل ستحييه فرقة جيل جيلالة، أدت خلالها أغنية «ليغارة»، ولأن الأغنية استهوته كثيرا صعد العنديب الأسمر إلى الخشبة، وأخذ البندير في يده وبدأ يغني مع المجموعة، وبعد انتهائها سيمسك العندليب بيد مولاي (كما يناديه المقربون منه) ويعلن في الحضور بأن صوته من أجمل ما سمع في حياته.
    شكل صوت مولاي الطاهر الأصبهاني رنة خاصة في أذان الأجيال، حتى أن الشباب الذي يقلد المجموعة غالبا ما يقلدون صوته، الذي أسكن في أذهان المتلقين- بمعية أصوات الدرهم والطاهري وعبد الكريم وسكينة والسعدي- فن الملحون وجعله فنا مشاعا لدى الشباب الذي كان يستثقل الطريقة التي يؤدى بها من طرف شيوخه.
    في هذه السلسلة سنسافر مع الأصبهاني وسط قلعة جيل جيلالة لنطلع على أسرارها ومسارها.



    كانت لجيل جيلالة مشاركات دولية عدة في مختلف القارات الخمس تمكنت خلالها هذه الفرقة من التعريف بالغناء التراثي المغربي من جهة ، ومن إبراز نمط تفكير جيل السبعينات من بلاد المغرب الاقصى، الذي أخذ يعبر عن همومه وتطلعاته، سواء بواسطة الغناء او غيره من الابداعات الفنية الاخرى.
    من بين المشاركات التي ظلت راسخة في ذاكرة مولاي الطاهر الاصبهاني، كما يروي في هذه السلسلة، تلك التي قادت الفرقة الى العربية السعودية سنة 1979 حين نظمت وزارة الثقافة الاسبوع الثقافي المغربي هناك والذي شارك فيه ، الى جانبهم، عدد من نجوم الاغنية المغربية كمحمد الحياني وعبد الهادي بلخياط والدكالي ومحمود الادريسي، بالاضافة الى الجوق الاندلسي والفنان المرحوم ابو الصواب وغيرهم... و كان على الوفد الفني المغربي ان يقدم أربعة عروض في كل من الدمام والظهران وجدة والرياض.
    كنت شعبية بلخياط والحياني والدكالي تسبقهم في السعودية، اما بالنسبة لنا ، يقول مولاي الطاهر، فرغم ان السعوديين كانوا يسمعون عنا الا ان اي لقاء مباشر لم يجمعنا معهم... أذكر ان مستوى التجاوب مع اعمالنا كان بحجم التجاوب مع الفنانين الآخرين، لكن في الرياض سيزداد التجاوب اكثر، خصوصا حينما أدينا اغنية القدس لكاتبها الصحفي المرحوم بنعيسي الفاسي:
    «يا الخالقني صار كل عربي في ارضك مشطون
    وكل كلامك عدل وإحسان
    لين بهاد القهرة طغى سكين الصهيون
    ومن بلاهم فانياني شلا أحزان
    العربي خويا جيل واحد
    قاهراه الغربة
    العربي خويا وقلب و احد
    دامياه الحربة
    العربي خويا وشحال من عربي ساكن خربة» .
    كان جمهور الرياض يتألف من مسؤولين سياسيين ومثقفين وفنانين لم يتحرك طيلة أدائنا للأغنية وبعد انتهائنا سيظل صامتا برهة قبل ان تنطلق موجة من التصفيق تلتها المطالبة بإعادة الاغنية. وبعد السهرة طلب منا تسجيلها مع اغان أخرى للتلفزة السعودية .أكثر من هذا فإن الامير فهد بن سلطان ، أمير الرياض انذاك، دعانا إلى قصره، حيث جاء من ابلغنا بأن الامير يريد ان يلتقي بجيل جيلالة لوحدها. اعتقدنا أنه سيطلب منا أن نغني في قصره، لكن عكس ذلك الاعتقاد، فقد كانت دعوة للنقاش، وتبادل الآراء والدردشة . سألنا عن المدن التي ننتمي اليها، وعن السر في جعل الشباب المغربي يتعاطى مثل هذه الالوان الغنائية وما الى هذا. و قد كان على إلمام كبير بتفاصيل الحياة المغربية.
    رحلة اخرى ظلت موشومة في ذاكرة الاصبهاني وهي رحلة طوكيو، فقد تمت دعوة جيل جيلالة في سنة 1986 للمشاركة في فعاليات المهرجان الافريقي بطوكيو وسيرافقهم في هذه الرحلة الفريدة أحمد الشريف الادريسي عازف «الساكسو» بالجوق الوطني وعمارعازف «السانتيتيزور» وبلخياط عازف «الطرومبيت»، وهي الرحلة التي سيغيب عنها عبد الكريم قسبجي صاحب الصوت الرائع داخل المجموعة. فكيف غاب هذا الصوت عن هذه الرحلة الهامة، خصوصا وان الاختيار وقع على جيل جيلالة دون غيرها لتمثيل المغرب والمغرب العربي؟
    يروي مولاي الطاهر، وهو يستجمع شتات ضحكه، بأن سبب غياب عبد الكريم كان بسيطا جدا، فالرجل لم يصدق ان الطائرة قد تصل الى اليابان وبأنه لابد وأن تسقط في اي مكان من الكرة الارضية ! فعند بلوغنا المطار، يقول مولاي الطاهر، لركوب الطائرة التي ستقلنا الى باريس ومن هناك الى طوكيو، علم عبد الكريم أن الرحلة المتجهة من باريس الى طوكيو ستكون مباشرة وتستغرق ازيد من 12 ساعة، وبعد قيامنا بالاجراءات الادارية داخل المطار سيتركنا في قاعة الانتظار ويطلب من أحد رجال الامن السماح له للعودة الى البهو ، لأنه نسي شيئا مهما. وهو ما تم ، لكن منذ تلك اللحظة لم نره!! كنا نعلم بطبيعة الحال تخوفه من مثل هذه الرحلات، لذلك لم نستغرب، غير أن الجميل انه لما عاد الى بيته وجالس والده الذي كان يتفرج على التلفزة، أذيع خبر مشاركة جيل جيلالة بطوكيو، فالتفت اليه والده مستغربا «اش بارك كادير حدايا ؟!»
    بطوكيو ، يسترسل مولاي الطاهر، سأفاجأ بتنظيم عجيب لم اشهده من قبل سواء من حيث دقته أو طريقة تسطيره، فلدى وصولنا الى الفندق سيوزع علينا البرنامج الذي يجب ان نلتزم به ، وهو برنامج مكثف يسطر لقاءاتنا مع الصحافة اليابانية يوميا ، والاماكن التي سنؤدي فيها عملنا وتوقيتها والندوات التي سنحضرها واللقاءات الهامشية للمهرجان. وكان علينا ان نلتزم بكل ذلك، وهو الشيء الذي لم نكن متعودين عليه ففي الثامنة صباحا مثلا يجب ان نجيب عن اسئلة مختلف المنابر الاعلامية. وفي العاشرة علينا ان نغني في الاماكن المخصصة الى ذلك، وبعد الزوال المشاركة في اوراش، و في الليل نعود الى خشبة الغناء. كانت الصحافة اليابانية التي كتبت عنا كثيرا في هذا المهرجان، تسألنا عن الآلات التي نستعملها وهل غناؤنا يشكل معارضة في البلاد؟ ومن اين نستوحي تلك الانغام؟... لم تكن صحافتهم مشدوهة، بل كانت تريد ان تعرف كل كبيرة وصغيرة عنا وعن الاغاني التي نؤديها.
    وللتاريخ ، يقول مولاي الطاهر، لأول مرة في تجربتنا نحس اننا بالفعل نعامل كفنانين ليس فقط من جانب اليابانيين، بل ايضا من طرف الجانب المغربي، فسفير المغرب بطوكيو آنذاك السيد عبد العزيز بنجلون خصنا باستقبال رفيع، بحيث وجدنا وفدا من السفارة يستقبلنا في المطار ويرحب بنا ، وضع رهن اشارتنا كل ما نحتاج اليه. اكثر من هذا فمعظم الايام التي قضيناها هناك كان يدعونا الى منزله وكنا نحس اننا في بلدنا ومع اقاربنا ،بل اكثر من هذا أننا فنانون نمثل بلدنا فعلا.
    هذه السنّة سنقف عليها ايضا في سنة 1993 بواشنطن من طرف السفير محمد بلخياط، وايضا في 2003 من قبل سفير المغرب بالجزائر سعيد بريان، دون أن ننسى السفير المغربي في سوريا قبل ذلك .
     

    7/16/2009

     

    فسحة

     

     
     جيل جيلالة على لسان مولاي الطاهر : في ضيافة رفيق الحريري و«واك واشنطن»

    العربي رياض

    يعد مولاي الطاهر الأصبهاني من بين الأعمدة الأساسية لمجموعة جيل جيلالة، بل من أعمدة المجموعات الغنائية ككل، صوته أطرب الكثيرين، منهم مسؤولون في الدولة، بل أكثر من هذا كان قد أثنى عليه العندليب الأسمر في أواخر السبعينات، عندما كان في زيارة للمغرب ودعاه أحد المسؤولين إلى حفل ستحييه فرقة جيل جيلالة، أدت خلالها أغنية «ليغارة»، ولأن الأغنية استهوته كثيرا صعد العنديب الأسمر إلى الخشبة، وأخذ البندير في يده وبدأ يغني مع المجموعة، وبعد انتهائها سيمسك العندليب بيد مولاي (كما يناديه المقربون منه) ويعلن في الحضور بأن صوته من أجمل ما سمع في حياته.
    شكل صوت مولاي الطاهر الأصبهاني رنة خاصة في أذان الأجيال، حتى أن الشباب الذي يقلد المجموعة غالبا ما يقلدون صوته، الذي أسكن في أذهان المتلقين- بمعية أصوات الدرهم والطاهري وعبد الكريم وسكينة والسعدي- فن الملحون وجعله فنا مشاعا لدى الشباب الذي كان يستثقل الطريقة التي يؤدى بها من طرف شيوخه.
    في هذه السلسلة سنسافر مع الأصبهاني وسط قلعة جيل جيلالة لنطلع على أسرارها ومسارها.



    كانت مسيرة جيل جيلالة حافلة بالمشاركات الدولية، بعضها يظل موشوما في ذاكرة هذه الفرقة التي أتحفت ـ ولاتزال ـ المغاربة لثلاثة عقود، ففي سنة 1994 ستكون لجيل جيلالة رحلة استثنائية إلى لبنان، هذه المرة ليس للمشاركة في حفلات ، كما جرت العادة بذلك، ولكن من أجل إنجاز عمل فني كبير مع الفنان عبد الحليم كركلا وفرقة الرحباني الموسيقية.
    يتذكر مولاي الطاهر الأصبهاني أن أول لقاء مع الفنان عبد الحليم كركلا كان في أواخر الثمانينات بتونس ، حيث لم تكن الفرقة تعرف الرجل، يقول مولاي الطاهر: كنا في قرطاج نشارك في فعاليات المهرجان هناك، كانت مشاركتنا ، كما هو معتاد، في هذه المناسبة تلقى إقبالا كبيرا، بعد انتهائنا سيتقدم نحونا رجل، أذكر أنه كان مصابا بكسر في يده، كانت لهجته مشرقية، أبدى إعجابه بأغانينا قبل أن يقدم لنا نفسه بالقول: «أنا اسمي عبد الحليم كركلا من لبنان وأود أن تشاركوني في عمل أنجزه ». رحبنا بفكرته وأبلغناه أننا على استعداد للتعاون. أخذ أرقام هواتفنا المنزلية، ثم افترقنا.. في سنة 1994 سيتصل بنا شخص من لبنان ويخبرنا أنه يريد أن نلتحق ببيروت لتسجيل بعض الاغاني، رحلنا الى هناك، وبينما نحن في الاستوديو ، سيدخل علينا عبد الحليم كركلا، كنا إذاك قد عرفنا انه أخصائي بـ «الكوريغرافي» وأنه من الفنانين الكبار ببلاد الأرز، وأنه يتلقى دعما ماليا كبيرا من رفيق الحريري لإنجاز أعماله المتميزة وتعمل معه فرقة موسيقية تتشكل من عشرات العازفين. بعد واجب الترحاب أسر لنا أنه يود توظيف بعض اغانينا في أحد اعماله الكبرى التي سيعرضها في عواصم العالم ومدنها الأثرية، وجدنا انه أعد كل شيء وتصوره واضح للعمل، بل أكثر من ذلك أنه اختار اغاني جيل جيلالة التي يريد توظيفها... كان اختياره قد وقع على اغاني «الكلام المرصع» و«الدورة» و«الحمد والشكر» . رحبنا بمقترحه ودخلنا للاستوديو قصد الشروع في التسجيل، وكنا نفاجأ بحضور منصور الرحباني الذي علمنا فيما بعد انه هو من سيقوم بالتوزيع الموسيقي للعمل. سجلنا اغنيتي «الكلام المرصع والدورة» أما «الحمد والشكر» فلم نسجلها إلا بعد ان عدلنا كلماتها.. مكثنا هناك 15 يوما توطدت خلالها علاقاتنا بكركلا، الذي أصبح يجالسنا يوميا ويستمع الى اغانينا ، وكلما استمع لأغنية لم يكن قد أنصت إليها من قبل، الا وطلب منا ان نسجلها للعمل، فكنت أرد عليه مازحا «خاصك تألف» ، و كان هويستغرب لهذا الجواب فاستفسرني في احدى المرات «كيف تقول لي خاصني نألف والاغاني مؤلفة أصلا؟» ، فأجبته «تألّف» أي أن تسخى للفرقة ب«ألف دولار ، ألفين... وهكذا ، لأن حد التعاون هو ثلاث أغان ، وقد منحناها لك» ! فدخلنا جميعا في هيستيريا من الضحك.
    كان الرجل بسيطا وودودا خلق معنا علاقة صداقة متينة حتى أننا لم نأخذ شريط العمل الى أن سمعنا الناس هنا في المغرب يتحدثون عن عرض قُدم بمدينة وليلي وكانت فيه جيل جيلالة رائعة، واشترينا الشريط كسائر خلق الله.
    إن كنه هذا العمل، يتابع مولاي الطاهر، هو أداؤنا لأغانينا بالشكل الذي نقدمه بها ويقوم الجوق الموسيقى بالعزف وتتوزع الجمل الموسيقية والكلمات بشكل سانفوني جميل واحتفظ أيضا بأصواتنا التي أعجبته كثيرا ووظفت في هذه المقطوعات.. قبل عودتنا الى المغرب بأيام قليلة، أُبلغنا بأننا مدعوون الى بيت إحدى الشخصيات البارزة في لبنان ، ويتعلق الأمر برفيق الحريري.
    يقول مولاي الطاهر، لم أكن أتوقع اننا سنستقبل في بيت هذا الرجل ذي المكانة المتميزة عربيا ودوليا، بتلك الحفاوة، لم يكن رفيق الحريري موجودا، كان أبناؤه وزوجته وشخصيات سياسية منهم وزراء ومسؤولون في الاحزاب اللبنانية بالاضافة الى فنانين، تصور أنه لدى دخولنا ، وقف الجميع من مكانه، «صُعقت» فعلا من هذه اللباقة والمستوى الرفيع من تقدير الآخر... «مْعلوم»، يضيف مولاي الطاهر، فهكذا هو تصرف الطبقة المتنورة حقا لاادعاء ، وخبرت ساعتها ما معنى مصطلح «التحضر».. ومع ان الدعوة كانت ترحابية فقط للفرقة قررنا ان نغني لهؤلاء الناس، وقد أعجبتهم أغنية «الشمعة» كثيرا ، خصوصا زوجة رفيق الحريري ، كما أدينا أغاني أخرى...
    المهم أنني وقفت على حقيقة هذه العائلة ، فهي بالفعل عائلة راقية وتشكل البورجوازية الوطنية الحقة، تعشق الفنون والثقافات ، وتدعمها ماديا ومعنويا ، وليس هاجسها هو الاسمنت والترامي على الصفقات، وفهمت لماذا تعد بيروت عاصمة الفنون والثقافة لأن فيها مثل تلك العائلات التي تدفع بكل ماهو جميل إلى الأمام، وبكل ما يجعل بلدها نقطة جذب للعالم.
    قبل رحلة لبنان كان لجيل جيلالة موعد مع الجمهور الامريكي بثلاث مدن وهي نيويورك، بوسطن وواشنطن، حيث اتخذ أحد المنظمين يسمى حسن، مبادرة إقامة عروض لجيل جيلالة في هذه المدن الامريكية، اعتقد أعضاء الفرقة انهم سيغنون للجالية العربية هناك، لكنهم في الحفلات الثلاث سيجدون أمامهم حتى الجمهور الامريكي ، ولكثرة إعجاب المستضيفين بأغاني جيل جيلالة، سيمنحونهم حتى مداخيل تذاكر المسرح بواشنطن، رغم أن جيل جيلالة اخذت مستحقاتها عن عروضها الثلاثة في المغرب! 
    ما أعجب مولاي الطاهر خلال هذه الرحلة التي سيستقبلهم فيها السفير المغربي بلخياط والتقوا عنده بالفنان محمد جبران، هو المنظم حسن الذي يعشق المغرب ويريد ابراز مؤهلاته ، فهذا الرجل الذي كان وداديا حتى النخاع ، أنشأ فريقا لكرة القدم بواشنطن ، ولفرط حبه للوداد أطلق عليه اسم «واك واشنطن».
     

    7/17/2009

     

     فسحة

     

     
     جيل جيلالة على لسان مولاي الطاهر

    التولالي يغني مع جيل جيلالة

    العربي رياض

               يعد مولاي الطاهر الأصبهاني من بين الأعمدة الأساسية لمجموعة جيل جيلالة، بل من أعمدة المجموعات الغنائية ككل، صوته أطرب الكثيرين، منهم مسؤولون في الدولة، بل أكثر من هذا كان قد أثنى عليه العندليب الأسمر في أواخر السبعينات، عندما كان في زيارة للمغرب ودعاه أحد المسؤولين إلى حفل ستحييه فرقة جيل جيلالة، أدت خلالها أغنية «ليغارة»، ولأن الأغنية استهوته كثيرا صعد العنديب الأسمر إلى الخشبة، وأخذ البندير في يده وبدأ يغني مع المجموعة، وبعد انتهائها سيمسك العندليب بيد مولاي (كما يناديه المقربون منه) ويعلن في الحضور بأن صوته من أجمل ما سمع في حياته.
    شكل صوت مولاي الطاهر الأصبهاني رنة خاصة في أذان الأجيال، حتى أن الشباب الذي يقلد المجموعة غالبا ما يقلدون صوته، الذي أسكن في أذهان المتلقين- بمعية أصوات الدرهم والطاهري وعبد الكريم وسكينة والسعدي- فن الملحون وجعله فنا مشاعا لدى الشباب الذي كان يستثقل الطريقة التي يؤدى بها من طرف شيوخه.
    في هذه السلسلة سنسافر مع الأصبهاني وسط قلعة جيل جيلالة لنطلع على أسرارها ومسارها.




    رغم أن فرقة جيل جيلالة كانت تبدو أكثر تنظيما من غيرها من المجموعات الغنائية الاخرى ، وكان يطبع سلوكها الهدوء، إلا أن الحقيقة عكس ذلك، فهي الفرقة التي عانت من انقسامات عديدة، كما أن البعض فيها كان يكرس مفهوم التباين ومفهوم الأفضلية، ويرى أن هناك المنشدين وهناك صناع الأغنية ، وللفريق الأخير الأفضلية في كل شيء.
    مولاي الطاهر الاصبهاني، كما يصرح بذلك دائما ، يعتبر جيل جيلالة «زاوية» وأن سر نجاحها يكمن في التعاون الجماعي. يقول الاصبهاني، منذ تأسيس جيل جيلالة وأنا أدافع عن مفهوم الفريق، ليس فقط الفريق الذي يظهر للجمهور بالإنشاد، ولكن الفريق الكبير الذي يضم كتاب الأغاني والملحنين والإداريين.. أجمل كاتب كلمات عرفته المجموعة هو الشاعر محمد شهرمان ، الذي أبدع روائع جيل جيلالة وأعطى لأغانيها أبعادا ذات عمق روحاني، لكني مع ذلك اقترحت على حميد الزوغي أن يجلب محمد الدرهم الى المجموعة لكي يفيدها أولا بأزجاله، فأنا أعرف أنه زجال متميز، وله «درب» آخر لايشبه ما يبحر فيه شهرمان، وكنت أعلم أن تنوع الازجال سيكون في صالح المجموعة. وكذلك فعلت مع عبد العزيز الطاهري، فبمجرد ما غادر الغيوان اقترحت ضمه للمجموعة، لأنني كنت أدري أن أشعاره ستضفى جمالية أخرى على أداء جيل جيلالة، وكذلك كان. كنت أيضا متشبثا بالصحفي المرحوم بنعيسى الفاسي، الذي كان يبدع في الزجل القومي، وهو من كتب قصيدة «القدس»، التي منحت لجيل جيلالة إشعاعا في الشرق العربي.. لم أكن أفكر في الإقصاء ، حيث كنت أومن أنه لايمكن أن يكون هناك نجاح للفرقة دون أن يكون وراءها «سطاف» داعم على مستوى البحث في التراث والكتابة والتلحين.
    الاهتزازات التي عرفها مسار المجموعة ، يؤكد مولاي الطاهر، لم أكن في يوم من الأيام وراءها، ففي 1975 ، كما ذكرت ذلك في حلقات سالفة، اختار الدرهم والزوغي ومحمود السعدي أن يتعاملوا معنا بمنطق آخر، لم نقتنع به ، وهو أن هناك «نخبة» داخل المجموعة وتتشكل منهم، وهناك فئة ثانية تضم «مستضعفين» على رأسهم عبد ربه والطاهري وسكينة وعبد الكريم، فرُحنا الى حال سبيلنا ننبش في المخزون التراثي لإنجاز أغان جديدة للجمهور، إذ لم يكن مسموحا لنا بالتوقف.
    بين1975 و1984 سنعيش أيضا «غضبات» أخرى لمحمد الدرهم الذي كان يعتبر أنه يعمل أكثر منا وأنه الأفيد فينا.. لم نكن نجادله، يذهب إلى حال سبيله ثم يعود ويطلب أن يستأنف العمل معنا، ولم يكن يجد منا ، دائما، إلا الترحاب.
    في سنة 1984، يفاجئنا عبد العزيز الطاهري بقرار اعتزاله الغناء مع جيل جيلالة، لم نعاتبه، رغم أنه غادرنا في منتصف الطريق، فاستقدمنا مصطفى باقبو الذي لايزال يعمل مع الفرقة الى الآن.. في سنة 1994، كنا في مهرجان الرباط حين قدم إلي الدرهم، في غرفتي بالفندق، ليقول لي: «الشريف المسامحة»، ليغادر قطار المجموعة إلى الآن.
    فترات عصيبة مرت على الفرقة كنت دائما، يواصل مولاي الطاهر، أتحمل تبعاتها بمعية عبد الكريم ، فالطاهري والدرهم كانت لهما مشاريع أخرى ومصادر دخل إضافية، فالاول يلحن الاغاني ويكتب للمسرح وما الى ذلك، فيما كان الدرهم يؤلف الوصلات الاشهارية مع إحدى الشركات، وكلما تخليا عنا كنت بمعية عبد الكريم ، نبحث عن سبل أخرى لتجاوز الأزمة / المأزق. لحسن الحظ كنت ممثلا وكانت الفرق المسرحية تدعوني للعمل معها.
    منطق الأفضلية الذي كان يود البعض التعامل به أنهك الفرقة، فما أصعب أن يحاول الآخر جعلك تحس بأنه أهم منك!! ومع ذلك كنت أتحمل ذلك. لقد عانينا كثيرا نحن «المستضعفين» في الفرقة، كان يمارس علينا حتى «لغنان» وكنا نتقبله، ففي كل مرة يخرج مقترح معين ليس في صالح المجموعة كاملة ، نتقبله على مضض ، مرة جاءني عبد العزيز الطاهري وأبلغني، أنه والدرهم يعدان عملا جديدا للمجموعة وأنه لا داعي أن أتدخل أنا وباقي أعضاء الفرقة في هذا الامر. كان ذلك في سنة 1981 أعد الطاهري الأغاني واتفق هو والدرهم على تلحينها. بعد أيام سيتصل بي الطاهري ليخبرني بأن له مشاكل مع الدرهم ولم يعدا متفقين حول إعداد الأغاني، فقدم لي العمل والذي يضم أغاني: «ضاق بي أمرك»، «داو يوه» «كلاع الضيم» و«انت زيان حالك».. وكان يربط الفرقة عقد التزام مع إحدى دور الانتاج، وكان موعد التسجيل في العقد قريبا جدا، لحنا تلك الاغاني في ظرف أربعة أيام ، وبعد أن أعددنا العمل سيعود الدرهم من جديد إلى الفرقة!
    بعد هذا الحادث بسنتين سيبلغني عبد العزيز الطاهري والدرهم ، ونحن في الجزائر هذه المرة ، أن لكل عضو في الفرقة الحق بأن يؤلف أغاني ويسجلها لنفسه مع من يريد وليس بالضرورة مع أعضاء الفرقة. كان جوابي ، كما هي العادة ، بالإيجاب، فلم أكن أقوى على المجادلة.. عدنا الى المغرب والتقيت بالمرحوم الحسين التولالي وقلت له بأن جيل جيلالة قررت القرار السالف ذكره، فاتفق معي على إنجاز عمل مشترك ننجزه أنا وهو وعبد الكريم قسبجي، وبالفعل أعددنا مجموعة من أغاني الملحون وقدمناها للمستمع على شكل تلقين للملحون، فالشريط تتخلله حوارات بيننا وبين الحاج التولالي، نسأله مثلا عن معنى «السرابة»؟ ويشرح هو للمتلقي بأنها مقدمة الملحون وبأن من يؤدي قصائد الملحون بدون «سرابة» لايمكن نعته بـ«المعلم». ونغني جميعا «السرابة». أدينا اثنتين منها بالاضافة الى قصائد «الديجور»، «المحبوب» «القلب»، »التوسل« و«ارفق يا مالكي».
    وقد كان هذا العمل من أجمل «ريبيرتوارات» خزينة الملحون في المغرب ، حيث لايزال يُتداول في «السوق» الى الآن.

     

    7/21/2009